تحت شعار "التحرر الاقتصادي"، أحدثت الرسوم الجمركية الواسعة التي فرضها الرئيس ترامب مؤخراً صدى واسعاً في أوساط قطاع الملكية الخاصة. فبعد عام 2024 الذي شهد موجة تفاؤل مدفوعة بتراجع معدلات التضخم وتخفيف السياسات النقدية، تجد شركات الملكية الخاصة نفسها اليوم مضطرة لإعادة ضبط بوصلتها الاستراتيجية لمواكبة واقع تجاري جديد يتشكل.
تشمل هذه الرسوم فرض ضريبة عامة بنسبة 10٪ على جميع الدول، إلى جانب معدلات أعلى تستهدف بلداناً بعينها مثل الصين. ورغم ما تحمله هذه التغييرات من تحديات واضحة، إلا أنها في الوقت ذاته تفتح نوافذ لفرص جديدة قد تعيد رسم خريطة الاستثمار في القطاع.
أثارت الرّسوم الجمركية التي أُعلن عنها في 2 أبريل 2025 حالة من القلق بشأن مستقبل الاقتصاد الأمريكي وأحدثت اضطراباً في الأسواق. ووفقاً لتحليل صادر عن مؤسسة الضرائب الأمريكية (Tax Foundation)، من المتوقع أن تؤدي هذه الرسوم إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة بنسبة 0.4٪. ومع الأخذ في الاعتبار الأثر التراكمي لجميع رسوم ترامب السابقة، قد يصل هذا الانخفاض إلى 0.7٪، بل وقد يبلغ 0.8٪ في حال أقدمت الدول الأخرى على الرد بالمثل[1].
وقد جاءت استجابة الأسواق حادة وسريعة؛ حيث تراجع مؤشر S&P 500 بنسبة تقارب 19٪ منذ ذروته في فبراير وحتى أوائل أبريل. هذا التذبذب يلقي بظلاله على تقييمات شركات الملكية الخاصة، واستراتيجيات الاستثمار، وتوقيتات التخارج من الاستثمارات. وفي ظل الغموض الذي يكتنف مستقبل السياسات الاقتصادية، يتبنى العديد من المستثمرين نهجاً حذراً، مما قد يدفع الشركات إلى خفض أعداد الموظفين في المدى القريب وتقليص فرص التوظيف على المدى الطويل[2].
وفي تطور متوقع، أعلنت الصين عن فرض رسوم جمركية مضادة، تعادل نسبة الـ34٪ التي فرضها الرئيس ترامب، ما ينذر باحتمال اندلاع حرب تجارية شاملة. هذه الإجراءات قد تمس صادرات أمريكية تُقدّر بنحو 330 مليار دولار، مما قد يؤدي إلى خفض إضافي في الناتج المحلي الأمريكي بنسبة 0.1٪[1].
فرضت الرسوم الجمركية الجديدة واقعًا مغايرًا لطريقة تعاطي شركات الملكية الخاصة مع الصفقات. فالضبابية التي تكتنف مستقبل السياسات التجارية دفعت هذه الشركات إلى تبني نهج أكثر تحفظاً عند تنفيذ عمليات الدمج والاستحواذ. باتت الصفقات تستغرق وقتاً أطول لإغلاقها، مع تمديد فترات الفحص النافي للجهالة بشكل ملحوظ[4]. وللحد من المخاطر المرتبطة بالتغيرات الجمركية، أصبحت الشركات أكثر مرونة في هيكلة الصفقات، عبر إدخال عناصر مثل المدفوعات المرتبطة بالأداء (Earnouts)، والدفع المشروط، وبنود التعديل في حال وقوع أحداث مؤثرة جوهرياً[4].
ورغم هذا التحدي، لا يزال بعض المراقبين في القطاع يحتفظون بنظرة متفائلة بحذر. حيث يشير أنتوني كواي من S&P Global Market Intelligence إلى أنّ:
"الأساسيات التي تمكّن الملكية الخاصة من ضخ رؤوس أموال جديدة أو تصفية بعض مراكزها ما تزال قائمة. الرسوم قد تؤخر هذا النشاط مؤقتاً، لكنني أتوقع أن تتجاوز حركة السوق في عام 2025 مستويات 2024 بحلول نهاية السنة"[5].
الشركات التي تعتمد بشكل كبير على التجارة الدولية بدأت تشعر بضغط مباشر، مما أدى إلى انخفاض تقييماتها، خاصة في القطاعات الأكثر عرضة لتأثير الرسوم. في المقابل، فإن الشركات التي تتمتع بانكشاف أقل على الأسواق العالمية تميل إلى الحفاظ على تقييمات أعلى، مما خلق نوعاً من الانقسام في سوق الاستحواذات بين قطاعات خاسرة وأخرى رابحة[4].
هذا التباين في الأداء دفع بشركات مثل HarbourVest إلى الإشارة إلى "انفصال في توقعات التسعير بين المشترين والبائعين". فعندما تغيب الرؤية الواضحة لمستقبل الاقتصاد ونتائج الأعمال، فإن المشترين إما يتراجعون عن السوق، أو يطالبون بهوامش أمان أوسع في التقييم. ونتيجة لذلك، يتباعد الطرفان في وجهات النظر حول القيمة العادلة، ما يؤدي إلى تباطؤ كبير في نشاط التخارج[6].
بدأت شركات الملكية الخاصة بإعادة تقييم دقيقة لتأثير الرسوم الجمركية على أداء شركات محفظتها، خاصة فيما يتعلق بسلاسل الإمداد. فقد أشارت KKR & Co. Inc. في إفصاح حديث إلى أن"
"هذه الرسوم قد تؤدي إلى ارتفاع التكاليف، وانخفاض الهوامش الربحية، وتراجع القدرة التنافسية للمنتجات والخدمات التي تقدمها شركات المحفظة، مما قد يؤثر سلبًا على الإيرادات والأرباح.[5]"
ورغم إدراك العديد من مديري الملكية الخاصة للتأثير المباشر للرسوم على شركاتهم ومورديها الأساسيين، إلا أن قلة منهم تنبّهوا للتأثيرات العميقة ضمن مستويات سلاسل الإمداد الأبعد. جون فيورينتينو، المدير الإداري في قسم الملكية الخاصة بشركة Alvarez & Marsal، يحذّر من أن الخطر الحقيقي يكمن في الضغوط التضخمية، حيث قد يلجأ بعض الموردين إلى تمرير زيادات كبيرة في الأسعار، تصل أحيانًا إلى 25٪، على الشركات النهائية[5].
ما يزيد من تعقيد المشهد هو الغموض المحيط بما إذا كانت الرسوم الجمركية تمثل تحوّلاً دائماً في السياسة التجارية، أم أنها مجرد ورقة تفاوض. هذا الغموض دفع العديد من الشركات إلى تأجيل اتخاذ قرارات كبرى بشأن إعادة هيكلة سلاسل الإمداد. يعلّق فيورينتينو قائلًا:"حجم عدم اليقين هائل. لا أستطيع أن أذكر حالة واحدة في عام 2025 شهدت تغييرًا جذريًا حقيقيًا في سلسلة الإمداد.[3]"
في الوقت الحالي، تركز معظم شركات المحفظة على مراجعة عقود التوريد وتحسين الكفاءة ضمن شبكاتها الحالية بدلاً من الشروع في تغييرات جذرية[5]. هذا النهج الحذر يعكس حالة "الترقب والترصد" التي تسيطر على قطاع الملكية الخاصة، في انتظار اتضاح ملامح الأثر طويل الأمد لتلك الرسوم.
أضافت الرسوم الجمركية طبقة جديدة من التعقيدات إلى مشهد التخارج الصعب لشركات الملكية الخاصة. فبعد سنوات من فترات الاحتفاظ الطويلة، دخلت العديد من الشركات عام 2025 بأمل استعادة زخم التخارج، لكن تقلبات السوق الناجمة عن الرسوم بدّدت الكثير من تلك التطلعات[5].
من المتوقع أن تتعافى صفقات البيع الثانوي والبيع لمشترين استراتيجيين أولاً، بينما قد يتأخر زخم الطروحات العامة المدعومة من الملكية الخاصة حتى أواخر 2025 أو حتى 2026. ويأتي هذا بعد عام قوي شهد 212 طرحاً عاماً عالمياً لشركات مدعومة من الملكية الخاصة، وهو أعلى رقم منذ عام 2021[5].
وقد علّقت شركة HarbourVest بالقول: "لاحظنا تباطؤًا في تدفق الصفقات قبيل تطبيق الرسوم، ونتوقع استمرار التذبذب في أنشطة التوريد حتى تستوعب الأسواق التأثير النهائي... ورغم تراجع التفاؤل الذي ساد في مطلع عام 2025، نتوقع استمرار النشاط بالنسبة للأصول عالية الجودة، حتى وإن كانت بيئة التوزيع الإجمالية ستبقى بطيئة ومتقطعة[6]."
تُرجّح هذه التحديات أن تطيل فترات الاحتفاظ بالشركات ضمن محافظ الاستثمار، ما يفرض على شركات الملكية الخاصة توجيه تركيز أكبر نحو تحسين العمليات التشغيلية وخلق قيمة حقيقية. وكما يوضح كواي:
"مع تمدد فترات الاحتفاظ، بدأنا نرى توجهاً أوسع نحو خلق قيمة فعلية داخل الشركات، وليس فقط عبر هندسة مالية[5]."
ورغم أن هذا التوجه قد يؤخر العوائد المتوقعة للشركاء المحدودين، إلا أنه في المقابل قد يسهم في بناء شركات أكثر قوة واستدامة على المدى الطويل، وهو ما قد يُعد استثمارًا أعمق في مستقبل الشركات والمحفظة ككل.
استجابةً للمخاطر المتزايدة المرتبطة بالرسوم الجمركية، بدأت شركات الملكية الخاصة في تعزيز إجراءات الفحص النافي للجهالة. لم تعد هذه العملية تقتصر على التقييم المالي فحسب، بل أصبحت تشمل تحليلاً معمّقاً للتعرض المباشر وغير المباشر للرسوم عبر مختلف مستويات سلسلة الإمداد، إلى جانب دراسة دقيقة لتأثير أي إجراءات انتقامية محتملة من الشركاء التجاريين.
فرضت البيئة الجديدة التي خلقتها الرسوم الجمركية تحولاً في بوصلة الاستثمار. أصبحت القطاعات الأقل عرضة للتأثر، مثل التكنولوجيا والرعاية الصحية، محور اهتمام متزايد لدى شركات الملكية الخاصة، في حين باتت القطاعات ذات الحساسية العالية، كالصناعات التحويلية والسيارات، محط حذر وحيطة. وإذا استمرت الرسوم لفترة طويلة، فقد تؤدي هذه التحولات إلى إعادة تشكيل دائمة في هيكل المحافظ الاستثمارية.
رغم كل التحديات، يرى بعض المستثمرين في المشهد الحالي فرصاً واعدة. فوجود مستويات كبيرة من السيولة غير المستخدمة يمكّن الشركات من اقتناص أصول منخفضة التقييم أو متعثرة ولكن ذات إمكانيات طويلة الأجل. كما يشير شانو شرواني إلى أن:
"توافر السيولة يمنح شركات الملكية الخاصة قدرة على الاستثمار الانتقائي، خاصةً في الأصول المتأثرة سلباً مؤقتاً والتي تملك قيمة كامنة غير مفعّلة.[1]"
أثبت نموذج الملكية الخاصة مرونته العالية في مواجهة الاضطرابات الاقتصادية الكبرى عبر العقود الماضية. وكما يشير شانو شرواني:
"تماماً كما اجتاز القطاع بنجاح جائحة كوفيد-19، والأزمة المالية العالمية (2007-2009)، وانهيار فقاعة الدوت كوم في أوائل الألفية، فهو اليوم في موقع قوي يسمح له بالتأقلم مع الاضطرابات التي قد تفرضها السياسات التجارية الجديدة.[7]"
تستمد هذه المرونة قوتها من السمات الجوهرية لنموذج الملكية الخاصة، وعلى رأسها:
هذه الركائز مجتمعة تمنح شركات الملكية الخاصة قدرة فريدة على المناورة، ليس فقط لحماية استثماراتها، بل أحياناً لتعزيزها وتحقيق مكاسب استراتيجية عندما تتراجع الأسواق[7].
فرضت الرسوم الجمركية الجديدة التي أطلقها ترامب موجة من الاضطرابات على قطاع الملكية الخاصة، طالت كل مراحل دورة الاستثمار: من تقييم الصفقات وإبرامها، إلى إدارة المحافظ وخطط التخارج. ففي الأمد القصير، ظهرت تأثيرات واضحة تمثلت في تذبذب الأسواق، وتباطؤ إتمام الصفقات، وتأجيل فرص التخارج. أما على المدى البعيد، فسيعتمد المسار على ما إذا كانت هذه الرسوم ستترسخ كسياسة دائمة أو ستتغير من خلال مفاوضات مع الشركاء التجاريين.
ورغم التعقيدات والمخاطر الجديدة، فإن هذا المناخ المضطرب يفتح المجال أمام فرص استراتيجية لأولئك المستثمرين الذين يمتلكون مزيجًا من الصبر، والسيولة، والقدرة التشغيلية. ففي أوقات كهذه، تبرز المزايا الجوهرية لنموذج الملكية الخاصة، وبالأخص آفاق الاستثمار طويلة المدى والتركيز على تحسين الأداء التشغيلي.
الشركات التي تنجح في إدارة انكشاف محافظها للرسوم الجمركية، وتعيد توجيه استثماراتها نحو قطاعات أقل تأثراً بالسياسات التجارية، وتقتنص فرص التقييمات المتدنية، ستكون الأوفر حظاً في الخروج من هذا التحدي أكثر قوة واستعداداً للمستقبل.
ومثلما أثبتت الأزمات السابقة أن المرونة الاستراتيجية هي العامل الفارق، فإن هذه المرحلة ستُظهر من هم اللاعبون القادرون فعلاً على التكيف مع التحولات المدفوعة بالسياسات الاقتصادية، ومن هم الأقل جاهزية للمناورة في بيئة متقلبة كهذه.
رغم التحديات التي تفرضها مقترحات ترامب بشأن الرسوم الجمركية، فإنها تتيح في الوقت ذاته فرصة أمام شركات الملكية الخاصة لإثبات مرونتها وقدرتها الاستراتيجية. فبفضل التخطيط الذكي، وإدارة المخاطر بشكل استباقي، والاعتماد على رؤى دقيقة، يمكن للمستثمرين الاستمرار في النمو حتى وسط الأوضاع غير المستقرة.
في إكويفيتر، نساعد الشركات والمستثمرين على التكيف مع هذه التحولات من خلال مزج خبرتنا العميقة في القطاع مع توجيه مخصص لكل حالة. نعمل على تقييم تأثير التغيرات التجارية، وتعديل الاستراتيجيات، واغتنام الفرص الجديدة التي قد تظهر وسط التحديات. تواصل معنا لتكتشف كيف يمكننا دعم خطوتك التالية بثقة ووضوح.
[1] مؤسسة الضرائب. تعريفات ترامب: التأثير الاقتصادي لحرب ترامب التجارية. أبريل 2025.
https://taxfoundation.org/research/all/federal/trump-tariffs-trade-war/
[2] CNBC. خبير اقتصادي: تعريفات ترامب "سترفع معدل البطالة إلى مستويات الركود". أبريل 2025.
https://www.cnbc.com/2025/04/08/trump-tariffs-job-market-impact-will-mostly-be-negative-economists-say.html
[3] Gibson Dunn. الآثار الفورية والمخاطر والمستقبل غير المؤكد لتعريفات ترامب العالمية غير المسبوقة. أبريل 2025.
https://www.gibsondunn.com/immediate-impacts-risks-and-uncertain-future-of-president-trumps-unprecedented-worldwide-tariffs/
[4] CLA. أثر تعريفات ترامب على شركات الأسهم الخاصة وشركات المحافظ الاستثمارية. مارس 2025.
https://www.claconnect.com/en/resources/blogs/private-equity/the-impact-of-trumps-tariffs-on-private-equity-firms-portfolio-companies
[5] S&P Global. التعريفات تفرض عقبة جديدة أمام تحديات الخروج في قطاع الأسهم الخاصة. أبريل 2025.
https://www.spglobal.com/market-intelligence/en/news-insights/articles/2025/4/tariffs-add-new-hurdle-to-private-equitys-exit-challenge-88354288
[6] HarbourVest. أثر تعريفات يوم التحرير على مستثمري الأسواق الخاصة. أبريل 2025.
https://www.harbourvest.com/insights-news/insights/mc-impact-of-liberation-day-tariffs-on-private-markets-investors/
[7] Delano. توقعات قطاع الأسهم الخاصة: فرصة استراتيجية في ظل تغييرات سياسة ترامب التجارية.
https://delano.lu/article/pe-outlook-strategic-opportunity-amid-trump-trade-policy-shifts